مفهوم العولمة المصرفية.
تحددت التعاريف في مصطلح العولمة *فمنهم من يعّرفها بأنها (( القوى التي لايمكن السيطرة عليها للأسواق الدولية والشركات المتعددة الجنسية ، التي ليس لها ولاء لأية دولة قومية )) ومنهم من يقول أنها (( حرية حركة السلع والخدمات والأيدي العاملة ورأس المال والمعلومات عبر الحدود الوطنية والإقليمية )) ومنهم من يقول أن العولمة المصرفية حالة كونية فاعلة ومتفاعلة تخرج بالبنك من إطار المحلية إلى آفاق العالمية الكونية ، وتدمجه نشاطياً ودولياً في السوق العالمي بجوانبه وبأبعاده المختلفة وبما يجعله في مركز التطور المتسارع نحو مزيد من القوة والسيطرة والهيمنة المصرفية ، مما يجعله يخضع للتراجع أو التهميش والتكميش والابتلاع. فالعولمة* اتجاه مصيري يعبر عن صراع المصائر في إطار الكيانات والتكتلات المصرفية بالغة الضخامة ومتعاظمة القوة ، والتي أصبحت تملك قدرة عالية على التأثير المصيري ، في شكل واتجاهات السوق المصرفي العالمي المتعاظم النمو والمتسارع في الانتشار والأتساع التواجدي في كافة أنحاء العالم، وفي الوقت نفسه زيادة ثقل المراكز الوطنية وقدرة وكفاءة العقول وأصحاب الفكر الإبداعي على صناعة قواعد الارتكاز وحمايتها وصيانتها بشكل دائم ومستمر ، ومن ثم فأن العولمة المصرفية لاتعني أبداً التخلي عن ما هو قائم وموجه إلى السوق المحلية الوطنية ، ولكنها تعني أكثر اكتساب قوة دفع جديدة ، والانتقال بمحيط النشاط إلى أرجاء الكون الفسيح مع الاحتفاظ بالمركز الوطني أكثر فاعلية واكثر قدرة وأكثر نشاطا لضمان الامتداد والتوسع المصرفي ، ولضمان الاتساق الحيوي للأنشطة المصرفية التي يمارسها البنك ، وفي ظل العولمة فأنه من الطبيعي القول أنه سيكون للانفتاح الاقتصادي آثار بعيدة المدى على الاقتصادات العربية ، وهو سيتطلب تحولات في الهيكلة الاقتصادية وعملية تأقلم لا تخلو من الصعوبات ويدخل في صلبها تحديث الذهنية والممارسات الاقتصادية لمجاراة التطورات العالمية وتتضح تحديات المرحلة المقبلة من خلال نظرة تحليلية لكل من القطاعات الرئيسية في الاقتصادات العربية ، ولو نظرنا هنا الى القطاع المصرفي والمالي يتبين انه على الرغم من بعض المزايا التي يتمتع بها فأنه يعاني أيضاً من نقاط ضعف عدة ستخلق له مصاعب غير قليلة في التأقلم مع متطلبات الانفتاح الاقتصادي
أسباب العولمة المصرفية .
يرجع اتجاه البنوك والمصارف نحو العولمة إلى الرغبة العارمة في التوسع والنمو والانتشار والهيمنة العالمية والتي تستند إلى العديد من الأسباب أهمها ما يلي* :
1ـ التطور الذي حدث في اقتصاديات تشغيل البنوك والذي أدى إلى جعل الأسواق المصرفية المحلية أضيق من أن تستوعب كل ما تسمح به القدرات الإنتاجية للمصارف المحلية ، كما أنها في الوقت ذاته أصبحت لاتوفر مجالاً للحماية والتحوط الاحترازي لتركز المخاطر وارتباطها بحكم التخصص وتقسيم العمل الدولي أواليات التفاعل للنظام الرأسمالي الحر ، فضلاً عن اعتبارات النمو السريع للبنوك والمصارف العالمية والتي أدت إلى تهميش وتراجع المصارف المحلية وتناقض قدراتها حتى على المستوى المحلي ، واصبح يتهددها خطر الابتلاع والاختفاء .
2ـ مشاركة البنوك في تشجيع وتطوير سوق المال عن طريق زيادة إقبال المدخرين للتعامل والتملك في أسهم وسندات الشركات المختلفة وذلك في إطار إنشاء وتأسيس شركات السمسرة وإدارة المحافظ وضمان وتغطية الإكتتاب والخصم من جانب والتعاون مع صناديق وشركات التأمين الوطنية لإنشاء وتكوين صناديق استثمار تتعامل في أسواق المال من جانب آخر، وكذلك قيام الإدارات المتخصصة بالبنوك بحملات الترويج وبحوث السوق اللازمة في اتجاه وتنشيط الخدمات والأنشطة القائمة والمقدمة بها لتسهيل أداء عمليات البيع والشراء للأوراق المالية وإيجاد وتحديث خدمات جديدة كالحفظ المركزي لسرعة تداول هذه الأوراق في اتجاه ثان .
أهداف العولمة المصرفية*.
تحقق العولمة المصرفية للبنوك العديد من الأهداف التي من بينها ما يلي :
الهدف الأول : أن يصبح البنك أكثر قدرة على إرضاء العميل وإشباع رغباته .
الهدف الثاني : أن يصبح البنك أكثر كفاءة في استغلال إمكانياته وتفعيل قدراته .
الهدف الثالث : أن يصبح البنك أكثر اقتصادية في تحقيق أكبر عائد من التكاليف التي يتحملها .
وإذا كانت الأهداف الثلاثة السابقة هي في حقيقتها أهداف عامة لكل البنوك فأنها تكتسب وضعاً خاصاً في عملية العولمة ، وضعاً تفرضه طبيعة النطاق ومجال الحركة واعتبارات التواجد والاستمرار، فأذا كانت التغيرات في العلاقات الاقتصادية هي بطبيعتها دالة ورد فعل للتغيرات التي تمت في النمط والنطاق الاقتصادي للإنتاج فأن البنوك بشكل أو بأخر أحد أقطاب هذا التغير ، بل وصانع أصيل في حركته .
أن هذه الأهداف الثلاثة التي تدعيها العولمة المصرفية *من اجل الإسراع للدخول في حلبتها تخفي ورائها رغبة عارمة لدى البنوك والمصارف للتوسع والنمو والانتشار والهيمنة العالمية ومن هنا يمكن القول أن العولمة تعبر عن إرادة قوية نحو حيازة المزيد من القوة والسيطرة والهيمنة المصرفية ، ونتيجة لذلك ظهرت شركات عابرة القوميات ومتعدية الجنسيات مما جعل منها إمبراطوريات من حيث القيمة المضافة ، ومن حيث حجم الأصول ، ومن حيث الأموال المتدفقة منها واليها والتي معها أصبحت تحتاج الى بنك كوني يتيح لها خدماته المصرفية حيث تذهب وحيث تود أن تكون وخاصة وان العلاقة ما بين هذه الشركات وبنوكها يتطلب وجود بنك كوني من اجل حصر معاملاتها ونشاطها المصرفي ويتولى هذا البنك رعاية مصالحها وخدمتها كما وان الدول الصناعية الكبرى هي التي تتحكم برؤوس الأموال واستثماراتها وهي التي تعود لها في الواقع ملكية الشركات المتعددة الجنسيات أيضا ( وان كانت هناك بعض الأموال المساهمة من خارج هذه الدول، ولكن من يديرها فعلاً هي الدول القومية) وهذا أدى الى تناقص دور الدول وانخفاض قدرة الحكومات على التحكم في النشاط الاقتصادي ، وان كثافة حركة رؤوس الأموال وحريتها وعفويتها وسرعتها عبر الحدود وما تطرحه من تحديات وما تصنعه من مخاطر جميعها كانت دافعاً من اجل العولمة المصرفية ، إذا لمصلحة من تعمل هذه العولمة ؟
الجواب ، بلا شك لمصلحة الأقوياء الذين يتحكمون بأدوات القوة ووسائلها للحصول على أقصى ما يستطيعون من الفوائد والامتيازات التي تحقق مصالحهم .