تعتبر العولمة ظاهرة شمولية لها أبعاد اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية، إلا إن عقد التسعينات ابرز ميلاد ما يمكن أن نسميه بالعولمة المالية حيث زادت رؤوس الأموال الدولية بمعدلات تفوق الكثير معدلات نمو التجارة، وعليه سوف يتم التطرق إلا المطالب التالية
- مفهوم العولمة المالية؛
- مؤشرات العولمة المالية؛
- العوامل المفسرة للعوامل المالية.
يمكن القول بأن العولمة المالية هي النمو السريع في المبادلات المالية الدولية عن طريق زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة وإنشاء أسواق مالية عالمية تتدفق فيها الأموال بين الدول.
مؤشرات العولمة المالية:
المؤشر الأول: تطور المعاملات عبر الحدود في الأسهم والسندات في الدول الصناعية المتقدمة حيث تشير البيانات إلى أن المعاملات الخارجية في الأسهم والسندات كانت أقل من 10% من الناتج المحلي الإجمالي هذه الدول في عام 1980 ،بينما وصلت إلى ما يزيد عن 100% في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا عام 1996، وعلى ما يزيد عن 200% في فرنسا وإيطاليا وكندا في نفس العام.
المؤشر الثاني: تداول النقد الأجنبي على الصعيد العالمي، فإن الإحصائيات تشير إلى أن متوسط حجم التعامل اليومي في أسواق الصرف الأجنبي قد ارتفعت إلى 200 مليار دولار أمريكي في منتصف الثمانينيات وإلى 1.2 تريليون دولار أمريكي سنة 1995 وهو ما يزيد عن 8.4 % من الاحتياطات الدولية لجميع بلدان العالم.
العوامل المفسرة للعولمة المالية.
-صعوبة الاختلالات وعدم الاستقرار في الاقتصاد العالمي
أدى ظهور العجز والفائض في ميزان الصفقات الجارية للكثير من الدول إلى توزيع حركة رؤوس الأموال بين الدول من خلال عمليات التحويل الدولية للادخار، ولقد عرفت التدفقات النقدية ثلاث مراحل أساسية:
- ازداد نشاط حركة الأموال مسار شمال – جنوب نتيجةالصدمتين البتروليتين (1974-1978).
- ظهور أزمة المديونية للبلدان النامية (1982-1983) حيث أصبحت حركة الأموال متوقفة بسبب ضعف اقتصاديات الدول النامية وارتفاع معدلات أسعار الفائدة والدولار مما رفع من أعباء خدمة ديونها فأصبح المسار الجديد شمال – شمال بحيث اتجهت الأموال إلى اليابان وأوربا لتمويل العجز الكبير للولايات المتحدة.
2- التحرير المالي:
التحرير المالي هو انسحاب الحكومة بصفة جزئية أو كلية من الإدارة المباشرة للنظام المالي وفسحها المجال لدخول وخروج رؤوس الأموال بيعا وشراء بين الأفراد المقيمين وغير المقيمين بأسعار تتحدد عن طريق السوق[6]، وهذا مما سمح بزيادة التدفقات لرؤوس الأموال عبر الحدود وسرعة انسيابها بين سوق وآخر بشكل وثيق مع سياسة التحرير المالي الداخلي والخارجي.
3- ظهور الأدوات المالية:
تكرست العولمة المالية بظهور الأدوات المالية الجديدة التي استقطبت المستثمرين مثل المبادلات والخيارات والعقود المستقبلية، بالإضافة إلى الأدوات التقليدية التي تداول في الأسواق المالية، وهي الأسهم والسندات.
4- الأموال: إن الحركة الدائمة لرؤوس الأموال الباحثة عن الربح على الصعيد العالمي تعكس وجود كتلة كبيرة من الفوائض الادخارية غير المستثمرة، فأصبح من الضروري البحث عن منافذ لاستثمارها، فراحت تبحث عن فرص استثمارية على الصعيد الدولي، مما لو بقيت في الداخل أو مستثمرة بمعدلات ربحية متدنية في الدول المصدرة لهذه الأموال.
5-التقدم التكنولوجي:
يتكامل هذا العامل مع سابقيه في الدور الذي تلعبه شبكات الاتصال ونقل المعلومات التي يتبعها التقدم التقني الهائل، حيث ساهم في دمج وربط الأسواق المالية من حيث المكان (الارتباط بفضل الشبكات عن طريق الحوار)، ووحدة الزمان(العمل باستمرار 24/24 ساعة؛ الأسواق المالية المتواجدة بالشرق الأقصى وأوربا وأمريكا) إضافة إلى ذلك، تقدم الشبكات للوسطاء الماليين المعلومات مما يسمح لهم بإجراء المقارنات لاختيار أفضل العملاء.
: مزايا وعيوب العولمة المالية
بالنسبة للدول النامية:
يمكن الانفتاح المالي للدول النامية من الوصول إلى الأسواق المالية للحصول على ما تحتاجه من أموال لسد الفجوة التي تعنيها موردها المحلية، بمعنى آخر فإنها تعوض عدم كفاية الادخار المحلي، ففي آسيا أدى التدفق المالي الناتج عن الأسواق الناشئة إلى غاية الأزمة الآسيوية 1997 بتعويض نقص الادخار المحلي حيث كان يقارب فيها المعدل الوطني للادخار 30% [10]
- تسمح حركة الاستثمارات الأجنبية المباشرة لمحافظ الأوراق المالية بالتنويع وتوزيع أفضل للمخاطر بين الدول، فالاستثمارات الأجنبية المباشرة واستثمارات المحافظ المالية تسمح بالابتعاد على القروض المصرفية التجارية، وبالتالي الحد من زيادة حجم الديون الخارجية.
- تخفيض تكلفة التمويل بسبب المنافسة بين الوكلاء الاقتصاديين.
- ساعدت الاستثمارات الأجنبية على تحويل التكنولوجيا واكتساب اليد العاملة المهارات والخبرات وفنون الإدارة والتنظيم.
- توفير رؤوس الأموال الضرورية لدعم النشاط الإنتاجي والصناعي للمؤسسات المحلية عن طريق المؤسسات العابرة، حيث وصلت استثماراتها عام 1999 إلى 3.4 بليون دولار موزعة بين 449000 فرع أجنبي[11].
2- بالنسبة للدول المتقدمة:
سمحت العولمة المالية للدول المتقدمة (المصدر لرؤوس الأموال)، بخلق فرص استثمارية واسعة وأكثر ربحية أمام فوائضها المتراكمة، حيث توفر لهم هذه الاستثمارات ضمانات وتنويعا ضد المخاطرة من خلال تنويع الأدوات المالية.
: مخاطر العولمة المالية
المخاطر الناجمة عن التقلبات الفجائية للاستثمارات الأجنبية:[12]
تتعلق هذه المخاطر خصوصا بالتدفقات القصيرة الأجل، فشل استثمارات الحافظة المالية، فإن المستثمرين الأجانب يقومون بتجديد مستمر لمحفظهم المالية للأصول الدولية، وذلك بسبب الربحية والحماية من المخاطر، لذلك تؤدي إلى حدوث تذبذب معين للأصول للمستثمرين الدوليين
2- الخطر النظامي: Le risque systémique
يحدث الخطر النظامي عندما يتسبب عجز (défaillance) هيئة عامة أو مجموعة من الهيئات في الإفلاس للهيئات الأخرى من خلال أثر العدوى وتحدث حالة انقطاع خطيرة في قلب النظام المصرفي المالي[13]
ويرتبط الخطر النظامي في الميدان المالي بظاهرتين هما:
- عملية العدوى ((La processus de contagion من سوق مالي لآخر
- خطر انعدام السيولة (un risque de liquidité)
وتعد كل من أزمة المكسيك والأزمة الآسيوية 1997 مقالا لمفهوم الخطر النظامي الذي كان سببه هيئات الإقراض.
3- مخاطر التعرض لهجمات المضاربة المدمرة:
مع حدوث النمو التدريجي لصناديق المضاربة (Fonds spéculatifs ) منذ السبعينيات عقب انهيار نظام بروتن وودز إلى نظام تعويم أسعار الصرف، الذي أدى توسيع نشاط المضاربات على العملة بشكل كبير، ففي نهاية 1997 كان هناك حوالي 3000 صندوق مجازفة، أغلبيتها أمريكي التي وصلت ومجوداتها إلى 200 مليار فبالنسبة لحالة البلدان النامية، لا يمكن الإفلات من قبضة المضاربين، والدليل على ذلك أن عملتها الوطنية والأوراق المتداولة في بصورتها تتعرض إلى هجمات المضاربين.
4-مخاطر هروب الأموال الوطنية:
يعني بهروب الأموال الوطنية إلى الخارج هو استعمال جزء هام من المدخرات الوطنية للخارج في عدة مجالات، فجزء منها قد يستثمر في الأصول المالية و بعض منها يتوجه للاستثمار في الأصول العقارية والجزء الآخر يذهب إلى الاستثمار الأجنبي المباشر، كما أن قسما منها يودع في البنوك والمؤسسات المالية.
والسؤال يبقى مطروح في الدول النامية: كيف أن جزء من مدخراتها يستعمل للخارج وهي في حالة عجز كبير في ميزان مدفوعاتها ومن ديون ضخمة.
5- مخاطر دخول الأموال القذرة (تبييض الأموال)
تعرف ظاهرة تبييض الأموال على أنها توظيف رؤوس الأموال ذات مصادر غير مشروعة قانونيا في النظام المالي والمصرفي مثل أرباح تجارة المخدرات وتهريب الأسلحة والموارد المحظورة، فيشير تقرير أنه تقدر المبالغ المبيضة مثلا من طرف كبار تجار المخدرات إلى نحو العديد من مئات المليارات من الدولارات في السنة.
وفي الحقيقة مع اندماج الأسواق المالية للبلدان النامية في الأسواق العالمية أصبحت البلدان النامية ملاذا لهروب كميات كبيرة من الأموال القذرة لتدعيم حجم احتياطاتها الدولية و لخدمة أعباء الديون الخارجية و تمويل احتياجات التجارة الخارجية.
6- المخاطر الناجمة عن التقلبات الفجائية للاستثمارات الأجنبية ::
و تختص هذه المخاطر خاصة بالاستثمارات الأجنبية قصيرة الأجل مثل استثمارات الحافظة المالية، و التي يقوم المستثمرون الدوليون الكبار بتجديدها وتعديلها نتيجة للتقلبات الفجائية الناتجة عن الادخار الدولي، فاستثمار الحافظة المالية يتميز بالسرعة و النمو من سوق مالي إلى آخر بصورة فجائية، وتسمى هذه التدفقات بالتدفقات الساخنة (Hot Money ). فهي تدخل بسرعة و تخرج بسرعة و بلغت الأرقام التي أشار إليها الاستثمار العالمي عام 1998 إلى درجة التقلب في استثمار الحافظة المالية يصل إلى 0.43 في حين قدر بـ 0.35 بالنسبة إلى الاستثمار المباشر