الاقتصاد العالمي يدخل مرحلة حرجة
بقلم - محمد الصياد
ظل الاقتصاد العالمي على مدى حوالي عقدين، ومن ضمنه الاقتصاد الأمريكي، الأكبر من نوعه حجماً وتأثيراً في مسار الدورة الاقتصادية العالمية، يتمتع بفترة من النمو الايجابي المتصاعد، وينعم في الوقت ذاته بمعدلات تضخم منخفضة للغاية، وإن حصل بعض التراجع خلال هذه الفترة فإنه كان طفيفا سرعان ما يتغلب عليه الاتجاه الصعودي .
إلا أن هذا الأمر سوف يتغير منذ الآن، خصوصاً بالنسبة لاقتصادات الدول المتقدمة، بل ان الاتجاه الهبوطي قد بدأ فعلا، ولعل أزمة الرهونات العقارية التي اشعلتها كبريات المؤسسات المالية الأمريكية المتوسطة والصغيرة، وتورطت فيها قريناتها الأوروبية، هي القشة التي قصمت ظهر البعير الأمريكي الذي بدأت ملامح الكهولة تظهر على قسمات وجهه نتيجة للطبيعة المقامرة للرأسمالية الأمريكية التي وصل بها الأمر حد المتاجرة بسندات الرهن العقاري بطريقة التظهير اللانهائية، وبما يشمل ذلك سندات هذه الرهونات غير المسنودة، وحولت بورصات الأسهم العالمية إلى صالات للمقامرة بأوراق يفترض ان قيمتها مرتبطة بالموقف المالي للشركات والمؤسسات المصدرة لها ومعدل نموها الذي يستحيل ان يقاس على أساس يومي لكي يتم تبرير تداول أسهمها يومياً صعودا وهبوطا بأسعار تفوق بكثير قيمتها الحقيقية وحتى المستقبلية المفترضة في ضوء البيانات والمعطيات المتوافرة، حتى صارت قيمة أسهم الشركات والمؤسسات المدرجة في البورصات العالمية تفوق ثلاث مرات القيمة الحقيقية لمخرجات القطاعات الاقتصادية العالمية .
فالاقتصاد الأمريكي الذي يشكل حوالي ثلث حجم الاقتصاد العالمي يعاني من تداعيات الفساد والتلاعب المحاسبي لعديد الشركات والبنوك الكبرى التي استهوتها لعبة المقامرة البورصوية في السوقين الأوَّلي والثانوي (ابتداءً من إنرون للطاقة و”الويرلد دوت كوم” رايس انتهاء بمقامرات الرهن العقاري الأخيرة)، ومن تبعات هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية، ومنها التورط العسكري في افغانستان والعراق، وارتفاع أسعار النفط منذ 4 سنوات (ارتفعت الأسعار في سنة واحدة فقط من فبراير/شباط 2007 إلى فبراير 2008 بنسبة 100%، من 50 دولاراً إلى مائة دولار)، وتقلص مرونة سوق العمل وطاقتها الامتصاصية، وجنوح الشركات نحو إعادة الهيكلة وضغط النفقات، وتدهور أسعار أسواق العقار في الدول المتقدمة، وتأثير ذلك على قدرة القطاع المصرفي والمالي على منح القروض البينية طويلة الأجل لاستخدامها في إعادة إقراض الزبائن بقروض قصيرة الأجل، وذلك نتيجة لأزمة الرهن العقاري التي بدأ يتضح عمقها وحجمها مع الأيام وتراجع مستوى الثقة داخل القطاع ما اضطر البنك المركزي الأمريكي (الاحتياطي الفدرالي) لضخ 147 مليار دولار في النظام المالي لتوفير سيولة التمويل اللازمة لانتظام العمل والنشاط التمويلي، والبنك المركزي الأوروبي الذي ضخ 23 مليارا وبنك انجلترا الذي ضخ 5 مليارات دولار .
الأهم في كل ذلك هو إدمان الولايات المتحدة على الإنفاق الاستهلاكي، فهذه البلاد تنفق أكثر مما تكسب دخلا، وبما أنها قوة استيراد عالمية كبرى فإن دخولها رسميا في مرحلة الركود في صورة ارتطام شديد، سوف يُسمع صداه لدى كافة الشركاء التجاريين للولايات المتحدة في كافة أرجاء العالم .
الاستهلاك ليس هو الإدمان الوحيد الذي استمرأته الولايات المتحدة وتجاوزت به دخلها المتاح، وانما استيراد المال من الخارج أيضا، حتى أصبحت رهينة لهذه القناة التمويلية، استنادا إلى عملتها الوطنية التي ظلت تعامل عالميا كعملة العملات . فماذا سيحدث لو قرر المستثمرون التوقف عن مراكمة شراء الأصول الدولارية على خلفية حالة الهزال التي تعيشها اليوم الورقة الخضراء؟ بكل بساطة سوف ينهار الدولار تماما، ما سيفقد الفيدرالي الامريكي توازنه ويجعل سياسة خفض الفائدة التي يتبعها لحقن الاقتصاد وإبعاده عن خطر الوقوع في لجة الركود، بلا معنى .
* نقلاً عن صحيفة الخليج .